كلام القائلين بقدم العالم وفاعليّته بالإيجاب ، وثبوت الرّبط بين الحادث والقديم فتبعهم غيرهم على غرة وغفلة على أنّه قد يشمّ منها أيضا رائحة القول بالإجبار ونفي الاختيار ، فانّهم لو نسبوا أفعال العبيد إليهم لم يبق مجال لما يوجب الاعتذار ، هذا مضافا إلى أنّ هذا الجواب على فرض تسليمه لا يدفع السّؤال الوارد من حيث التفصيل بين الإرادة والمشيّة وبين العلم بجواز التعليق بالشرط في الأوّلين دون الثالث حسبما استدلّ به الامام عليهالسلام.
وأمّا رابعا فلانّ ما ذكره في قوله : أو نقول من سبيل اخرى ضعيف جدّا لا يساعده شيء من العرف والشرع واللغة وكأنّه اصطلاح عنه خاص في الإطلاق هذا مضافا إلى ما فيه من إرجاع الكلام إلى القدرة والالتزام بكونه من الصّفات الذاتية ، وبكونه غير الخيرات المحضة مجرّدة عن إرادته سبحانه.
(يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) متّصل بسابقه المحكي عن الكفار واطلاق الضّلال والهداية إمّا على وجه التهكّم أو التعكيس أو مجرّد المقابلة على فرض الموافقة ، سيّما مع كون القائل من المنافقين الذين أظهروا الايمان وأبطنوا الكفر ، والجملة حال من الله فيكون قوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) منقطعا عن سابقه ، او ابتداء كلام منه سبحانه فتكون جواب ماذا أي إضلال كثير وإهداء كثير ، على النّصب أو الرّفع ، والعدول من المصدر إلى الفعل لقصد الإشعار بالتّجدد والحدوث أو جار مجرى الاعتراض تفسيرا وبيانا للجملتين المصدّرتين «بأمّا» تنبيها على أنّ العلم بوجه المثل وكونه حقّا أو التّصديق به إجمالا هدى وبيان ، وانّ الجهل بوجه إيراده والتّعامي عن حسن وروده ضلال وفسوق ، وظاهر العلوي المروي عن تفسير النعماني على ما يأتي (١) وكذا ظاهر تفسير الامام عليهالسلام بل صريحهما هو الأوّل
__________________
(١) عن البحار ج ٩٣ ص ١٣ ـ ١٥.