الوجوب إلّا أن لهذه المتشابهات أثرا في ترجيح جانب الضلالة بحيث يصير عذرا للمكلّف في ترك الاقدام على الطاعة فوجب أن يقبح ذلك من الله تعالى.
ففيه أنّه قد قرّر في محلّه أنّ الغرض من جعل الاحكام وتكليف الأنام بل المقصود الأصلي من الخلقة الناسوتيّة والنشأة العنصريّة الّتي هي عالم القضاء ومزدحم اسباب الفتن والفساد إنّما هو الامتحان والاختبار مضافا إلى ارشاد العباد إلى ما هو الأصلح لهم في المعاش والمعاد ولذا قال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ، (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) (٢) ، و (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٣) (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٤) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة ، وحينئذ فان أريد بالآثار ما يعمّ الاختيار عند الاختبار مع فرض كمال الاقتدار من دون أن يكون هناك شوب من الإجبار فالمختار إثبات الآثار ، ولا ضير فيه بعد وضوح عدم منافاته للقول بالاختيار ، لأنّ السبب في الحقيقة هو اختيار المكلّف ، وإن تجدّد الدّاعي إليه عند عروض الفعل له أو عرض شيء له ، وإن أريد بها السببيّة المحضة والعليّة التّامة ولو من جهة المقتضي فتطرق المنع إليه واضح جليّ.
ثالثها : أن يحمل الإضلال على الإهلاك والابطال كقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (٥) أي أهلكها وأبطلها مأخوذ من قولهم :
__________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) آل عمران : ١٤١.
(٣) الملك : ٢.
(٤) الأنبياء : ٣٥.
(٥) محمّد : ١.