ضلّ الماء في اللبن إذا صار مستهلكا فيه وأضللته فيه إذا فعلت ذلك وصيّرته كالمعدوم ويقال أضلّ القوم ميّتهم إذا واروه في القبر وقالوا (أَإِذا ضَلَلْنا) (١) أي هلكنا (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) (٢) أي لن يبطل ، فيكون المعنى على هذا يهلك الله تعالى به كثيرا ويعذّبهم به حيث انّهم استحقّوا النكال بالإعراض عن آياته والاستخفاف بها.
وأمّا ما يقال : من أنّه غير مناسب للمقام سيّما بقرينة مقابلة الهداية ففيه ضعف واضح.
رابعها : أن يكون المراد بالإضلال هو التخلية وترك المنع بالقهر والجبر إذا كان على وجه العقوبة والمنع عن الألطاف الفاضلة الّتي تفعل بالمؤمنين كما يقال : فلان أفسد ابنه ولم يعلّمه ولم يؤدّبه ، ويقال لمن ترك سيفه في الأرض حتى فسد وصدأ أفسدت سيفك واصدأته فعلى هذا الوجه يصحّ أيضا إطلاق الإضلال.
نعم قد يقال إنّه انّما يصحّ لو كان الأولى والأحسن المنع وترك التخلية لرجاء النفع وترتب الثمرة وأمّا مع اليأس إلّا على وجه القهر والإجبار فلا.
وفيه نظير سيّما إذا كان المقصود مجرّد مقابلة الهداية كما في المقام ، وقد ورد في القدسيّات أنّه تعالى قال : يا عبادي كلّكم ضالّ إلّا من هديته ، وكلكم فقير إلّا من أغنيته ، وكلّكم مذنب إلّا من عصمته (٣).
خامسها : أن يكون المراد بالإضلال الانتساب أو الضلال والحكم به فيقال أضلّه إذا نسبه إلى الضلال ، وأكفره إذا نسبه إلى الكفر وسمّاه باسم الكافر قال
__________________
(١) السجدة : ١٠.
(٢) محمّد : ٤.
(٣) بحار الأنوار ج ٥ ص ١٩٨ ح ١٠.