الكميت (١) :
فطائفة قد أكفروني بحبّكم |
|
وطائفة قالوا مسيء ومذنب |
وقال طرفة (٢) :
وما زال شربي الراح حتّى أضلني |
|
صديقي وحتى ساء في بعض ذلكا |
وتوهّم أنّ الأنسب حينئذ صيغة التفضيل فيقال : ضلّلته كما يقال : فسّقته وفجّرته إذا سمّيته ضالا فاسقا فاجرا مدفوع بنصّ قطرب (٣) وغيره على جوازه مع أنّه قد يقال : إنّه متى صيّره في نفسه ضالا لزمه أن يصير محكوما عليه بالضلال : فهذا الحكم من لوازم ذلك التصيير فإذا قال الرجل لغيره : فلان ضال جاز أن يقال له لم جعلته ضالا ويكون المعنى لم سمّيته بذلك ولم حكمت به عليه.
فان قلت : إنّه وان كان في غاية البعد لكن الإشكال معه باق لأنّه يقال إذا سمّاه الله بذلك وحكم عليه بأنّه لو لم يأت المكلّف بما يوجب الضلال لانقلب خبر الله الصدق كذبا وعلمه جهلا وكل ذلك محال فكذلك المفضى إليه فيكون عدم إتيان المكلّف به محللا وإتيانه به واجبا ، فيلزمكم الجبر أيضا.
قلت قد تقرّر في موضعه عدم سببيّة العلم القديم لشيء من الأفعال والحوادث وتعلّقه على فرضه إنّما هو على الكشف والحكاية لا السببيّة والعليّة فإذا
__________________
(١) كميت بن زيد بن خنيس الأسدي شاعر الهاشميين كان من أهل الكوفة وكان عالما بآداب العرب ، ولغاتها واخبارها وأنسابها توفي سنة (١٢٦) ه
(٢) هو طرفة بن العبد بن سفيان الوائلي بن عمر جاهلي من الطبقة الأولى مات سنة (٦٠) قبل الهجرة.
(٣) قطرب ابو علي محمد بن المستنير البصري النحوي صاحب سيبويه توفي سنة (٢٠٦)
العبر : ج ١ ص ٣٥٠.