كان صلىاللهعليهوآله يكثر الذهاب إلى غار حراء ـ قرب مكّة ـ لعبادة الواحد الأحد ومناجاته والتضرّع إليه.
ولم يزل على عبادته في غار حراء حتّى بلغ الأربعين من عمره ، وفي الثامن عشر من شهر رمضان ، وقيل : في التاسع عشر منه دقّت ساعة الصفر عند ما قررت السماء إرساله إلى الناس كافّة ليدعوهم إلى الهدى ودين الحقّ ، فنزل عليه أمين الرحمن جبرئيل عليهالسلام حاملا إليه رسالة من الله العزيز قائلا : يا محمد! أنت رسول الله ، ثمّ قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فقرأ النبيّ صلىاللهعليهوآله ذلك ، ثمّ نزلت عليه الآيات ، فكان أوّل ما نزل عليه من القرآن بعد اقرأ : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) و (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) و (الضُّحى) ثمّ تتابعت عليه الآيات والسور.
أخذ صلىاللهعليهوآله يخبر بنبوّته من يطمئن إليه من أهل بيته ، فكان أوّل من أعلمه بذلك ابن عمّه الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فأسرع إلى الإيمان به وتصديقه ، ثمّ آمنت به زوجته السيّدة خديجة عليهاالسلام ، ثمّ تتابع الناس على الإيمان به وتصديقه واعتناق شريعته. وما مرّت الأيّام والليالي حتّى تكاثر عدد المسلمين ، فأعلن على رءوس الأشهاد عن رسالته ، ودعا الناس إلى توحيد الله عزّ اسمه ونبوّته ، وطلب منهم نبذ الشرك وعبادة الأوثان وغيرها من العادات والتقاليد الجاهليّة ، وحثّهم على ترك ما يغاير العقل والمنطق.
وبمرور الأيّام علم الناس بأنّ شريعته هدفها الوحيد هو إنقاذهم من الجهالة والضلالة ، وإيصالهم إلى ما هو خيرهم وصلاحهم في دنياهم وآخرتهم.
أخذ صلىاللهعليهوآله يحارب الظلم بكلّ صنوفه وأشكاله ، كتسلّط الأغنياء على رقاب الفقراء ، ورزوح الضعفاء تحت سطوة الأقوياء والمستكبرين ، ودفن البنات أحياء تحت التراب ، وحرّم الربا وشرب الخمر والمسكرات ، وحرّم الزنى والقمار وغيرها من التصرّفات والعادات البذيئة واللاأخلاقيّة.
أعلن صلىاللهعليهوآله عن مفاهيم وأسس جديدة للناس منها :
«لا فرق بين عربيّ وأعجميّ وأسود وأبيض إلّا بالتقوى».