والثاني : فيما لو حكم المجتهد ابتداءً من دون وجود الخصومة والمنازعة كحكمه بيوم العيد وإن لم يرجع إليه أحد ، وذلك فيما كان الفعل في نفسه مباحاً ، فيحكم من أجل مصلحة عامّة الناس ، أو لمصلحة شخص مثلاً فهو من الحكم الابتدائي ، وليس من مصاديق الفتوى ، بل باعتبار منصبه ، وهي الحكومة فيحكم ، وهذا القسم من الحكم المسمّى بالحكم الابتدائي ، وقيل إنّه ليس من القضاء ، قد وقع الاختلاف في نفوذه ، حتّى فيما لو كان أعلم ، فمن قال بنفوذه فدليلهم مقبولة عمر بن حنظلة في قوله (عليهالسلام) : (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا كالرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله) فإنّ معنى حكم بحكمنا ، أي يحكم بحسب الموازين الشرعيّة. ومن لا يقول بنفوذ حكم الحاكم ، إمّا باعتبار مناقشة سند المقبولة ، أو عدم دلالتها على ذلك ، فإنّ صدر الحديث في المتخاصمين ، فإذا حكم بحكمنا إشارة إلى القاضي بينهما ، وكذا قول الإمام (عليهالسلام) : (ينظران أي المتنازعين من كان منكم ممّن قد روى حديثنا). بل قد ناقش بعض بأنّ المقبولة لا تدلّ على أنّ الفقيه له منصب القضاء ، وإنّما تدلّ عند المراجعة إليه ، فإنّه يتمكّن من ذلك لرفع الخصومة والنزاع.
كما إنّ جعل منصب القضاء لمن كان بيده السلطان ، وهذه قرينة عامّة ، فإنّ الأئمة (عليهمالسلام) لم يكن بيدهم الحكم والسلطنة الظاهرية ، كما إنّ الرواة لم يكن لهم ذلك ، فليس في المقبولة ما يدلّ على المنصب الخاصّ.
وأمّا ما يقال بأنّ الانسدادي لا يدخل في عبارة (من عرف أحكامنا) فقضاءه غير نافذ ، فأُجيب بأنّه من باب عدم القول بالفصل ، كما أنّ الانسدادي