فإنّه يخرج عن التقليد المذموم ، كما يدلّ عليه السيرة العقلائيّة. فإنّهم في شؤونهم عند جهلهم بشيء يتبعون العارف به ، بل ويدلّ عليه العقل الفطري برجوع الجاهل إلى العالم (١) ، وإنّ من لا يعرف الطريق يسأل العارف به.
ثمّ المقصود من تقليد العامي للمجتهد في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة هو هذا المعنى المعقول والممدوح ، واعتمد الشارع على حكم العقل البشري في ذلك. كما لم يردع عن هذا السيرة العقلائيّة ، ولو كان لبان ، أضف إلى ذلك الأدلّة النقليّة الدالّة على التقليد كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
ثمّ يذهب صاحب الكفاية إلى بديهيّة جواز التقليد متمسّكاً بوجوه :
١ ـ إنّه حكم جبلي فطري لا يحتاج إلى دليل.
٢ ـ وإلّا لزم سدّ باب العلم على العامي مطلقاً غالباً ، لعجزه عن معرفة ما دلّ عليه الكتاب والسنّة.
٣ ـ ولا يجوز التقليد في التقليد أيضاً ، وإلّا لدار أو تسلسل.
وأُشكل عليه :
أوّلاً : أنّه لو كان بديهيّاً لما اختلف فيه اثنان ، والحال وقع الاختلاف فيه ، كما يشير إليه على ما حكي عن الشهيد في الذكرى قائلاً :
«خالف فيه بعض قدماء الأصحاب وفقهاء حلب فأوجبوا على العوام الاستدلال واكتفوا فيه بمعرفة الإجماع والنصوص الظاهرة ، وأنّ الأصل في المنافع
__________________
(١) الاجتهاد والتقليد : ٧٩.