التقليد ، بل ولا لزوم تحصيل العلم حقيقة بما هو لزوم من قبل الشارع أو العقلاء ، فليس وجوب التقليد تعبّداً إمّا من الشارع أو من العقلاء فطرياً ولا جبلّياً) (١).
ورابعاً : قوله : ولا يجوز التقليد في التقليد نفسه وإلّا للزم الدور إذا كان يتوقّف عليه ، أو يلزم التسلسل إذا كان يتوقّف على ما لا نهاية. فجوابه : أنّه لو كان جواز التقليد في الأحكام موقوف على سيرة العقلاء أو تقليد العقلاء في أُمورهم ، ولكن لا يتوقّف تقليد العقلاء في أُمورهم على جواز التقليد في الأحكام ، فلا يلزم توقّف الشيء على نفسه الذي هو ملاك الدور الباطل ، كما إنّ جواز تقليد العقلاء ممّا يحكم به العقل السليم فلا تسلسل حينئذٍ.
هذا ولمّا لم يكن التنافي بين الحجّتين الباطنيّة (العقل) والظاهريّة (النقل) فإنّهما صادران من الواحد الأحد جلّ جلاله ، فلا من التطابق بينهما ، وكلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع ، فلمّا كان الأصل الأوّلي عند العقل مذمّة التقليد وقبحه ، فكذلك الأصل الأوّلي عند الشرع ، فإنّه يذمّ التقليد الأعمى من دون دليل لتقليد الآباء في باطلهم ، كما في قوله تعالى :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(٢).
__________________
(١) بحوث في الأُصول ؛ للمحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهاني ، رسالة في الاجتهاد والتقليد : ١٦.
(٢) المائدة : ١٠٤.