عن معرفة التكليف تفصيلاً بحسب الأمارات ، فحينئذٍ في أطراف العلم الإجمالي الكبير ينقلب الأصل المثبت إلى النافي ، ويكون بلا معارض فلا يجب عليه الاحتياط ، كما كان يجب في أطراف العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة. ومع حصوله على فتوى المجتهدين ، يجوز له أن يختار أحدهم بشرط أن لا يختار هذا تارة وأُخرى تلك ، فإنّه يلزم العلم الإجمالي بالمخالفة القطعيّة.
هذا وبعد تماميّة أدلّة جواز التقليد ، وبحكم العقل على المكلّف أن يتمثّل التكاليف بالوجدان أو يكون له أمارة شرعيّة على ذلك اجتهاداً أو تقليداً ، والامتثال الوجداني الذي هو الاحتياط لا فرق فيه بين العبادات وغيرها ، وسواء أوجب التكرار أم لم يوجب ذلك ، ولا بدّ من استناد الاحتياط إلى فتوى المجتهد.
ثمّ ظهر ممّا سبق أنّ الشارع المقدّس لمّا أمر بالأخذ من مثل يونس بن عبد الرحمن فإنّه الثقة ، فإنّ أمره إنّما كان طريقياً ، أي قول يونس حجّة ومعتبر لمن تبعه ، فيكون حينئذٍ للتابع علماً ، وبهذا يستدلّ كما سيأتي إنّه لا تقليد في الضروريات الدينية والمسلّمات الفقهيّة ، فإنّه لم يكن الجهل بها حتّى يعلم بالمتابعة ، فالتقليد كما في العروة الوثقى إنّما هو في غير القطعيات اليقينيات والضروريات من المسائل الدينية الفرعيّة والتكاليف الشرعيّة ، فمع العلم لا معنى للتعبّد بالأمارة بما لا يخفى.
وحينئذٍ لو علم العامي أنّه لا يجب عليه الاستهلال ، ولكن لا يدري هل يستحبّ له ذلك أو يباح له؟ فإذا أراد أن يأتي بقصد القربة ، فعليه أن يقلّد في ذلك حتّى لا يلزم التشريع المحرّم ، وإدخال ما ليس من الدين في الدين ، فتأمّل.