هذا ما قيل في الإشكال على السيرة العقلائيّة من ردع الشارع إيّاها ، ولكن كما ترى قابل للنقاش سنداً ودلالة ، فإنّه يبتني على من يقول بوثاقة مسعدة وبإفادة الموثّقة الحصر أوّلاً ، وأنّ المراد من البيّنة شهادة عدلين أو ما زاد عن الواحد ثانياً ، فالمسألة تكون مبنويّة حينئذٍ.
ثمّ هناك من حاول إثبات إمضاء الشارع لمثل هذه السيرة ، فإنّهم لم يعملوا بقول من يسيئون الظنّ به ، وهذا ثابت في الشرع بمنطوق آية النبإ الشريفة ، كما أنّهم يأخذون بكلّ مخبر لا يساء الظنّ به في جملة من أُمورهم المعاشية وحياتهم اليومية ، كما يشترطون وثاقة المخبر أو تعدّده في بعض الموارد الهامّة كرفع الخصومات.
والشارع أمضى هذه الأُمور ، فمن الصنف الأوّل في باب صلاة المسافر في بيان مقادير المسافة المعتبرة في قصر الصلاة والإفطار في نهار شهر رمضان ، فتعيّنها في الطرق قد تحقّق من قبل من لا معرفة لنا بحاله من حيث الوثاقة ، وكذا ما ورد في الحجّ في أحكام الحرم ، وما ورد في باب المعاملات من الاعتداد بخرص الخارصين لبيع الثمار على الأشجار ، وبقول المرأة عند إخبارها بكونها خليّة ، وفي إخبار ذي اليد وشهادة القابلة ، وخبر ابن سفيان في غسل الجنابة في غَسل اللمعة المتبقية على الظهر (١) ، واعتماد أبي الحسن موسى الكاظم (عليهالسلام) في سجن الفضل بن ربيع على قول الغلام عند إخباره بدخول وقت الصلاة (٢) ، وغير ذلك من الموارد.
__________________
(١) الوسائل : باب ٤٧ من أبواب النجاسات.
(٢) عيون أخبار الرضا (عليهالسلام) : ٦٠.