وأمّا العلوم المعقولة ، فلا يخفى أنّ شرف العلم بشرف المعلوم ، ولمّا كان موضوع علم الكلام هو الله سبحانه وما يتعلّق به ، كان علم الكلام أشرف العلوم ومقدّم عليها ، وعلى كلّ مكلّف أن يعرف ذلك ويلمّ به بالمقدار اللازم في التوحيد والمعاد وما بينهما من النبوّة والإمامة بالاجتهاد لا بالتقليد ، إلّا أنّ المجتهد عليه أن يعرف من ذلك بالمقدار الذي لا يكون مقلّداً ، بل بالنظر والاستدلال على معتقداته الصحيحة.
وأمّا المنطق ، كلّما كان النظر الاجتهادي متوقّف على الاستدلال والتفكّر والاستنتاج ، وربما يخطأ في ذلك فيحتاج إلى آلة قانونية تعصم ذهنه عن الخطأ في الفكر ، فلا بدّ من معرفة الحجّة من القياس والتمثيل والاستقراء ومقدّماتها من الحدود والرسوم وما يتعلّق بها من مباحث الألفاظ من دون التوغّل فيها حتّى ينسى ذي المقدّمة.
وأمّا أُصول الفقه ، فإنّه بمنزلة المنطق للفلسفة ، فهو العمدة والمقدّمة الأساسية للفقه ومسائله وفروعه ، وقد دوّن أُصول الأُصول الأئمة الأطهار (عليهمالسلام) كإملاء الإمامين الصادقين (عليهماالسلام) كما جمع ذلك بعض الأعلام كالسيّد الشبّر في أُصوله الأصليّة.
والعجب من الأعلام بين مفرط ومفرّط في حكم أُصول الفقه ، فمنهم من يرى أنّ تدوينه بدعة كما عند الأخباريين وأنّه يوجب محو الدين ، ومنهم من يذهب إلى معاني دقيقة وعقليّة في مباحثها كالمشتقّ والمعنى الحرفي وما شابه ، والأولى وخير الأُمور أوسطها ، بأن يشتغل بمعرفة مسائل أُصول الفقه بالمقدار الذي يحتاجه