وجعل الشارع إنّما هو حكم حقيقي بداعي العمل في الخارج ، فالحكم الحقيقي جعل الحكم بنحو القضيّة الحقيقيّة ليصل إلى العباد لعلّهم يعملون به عند فعليّته بعد تحقّق الموضوع ، فيقال : هذا سارق والسارق يجب قطع يده فهذا يجب قطع يده.
ثمّ لو قلنا في الأمارة بالطريقية ، فإنّ الأحكام الحقيقيّة لم يؤخذ فيها علم المكلّف وجهله. فمن كان الميّت أمامه فإنّ له الحكم الواقعي بوجوب تغسيله (غُسل الميّت) فمن لم يعلم ذلك الحكم ، فإن كان الجهل عن تقصير فلا يعذر في جهله ، وإن كان عن قصور فإنّه يعذر شرعاً ، فالأمارات تقوم على القضايا الحقيقيّة ، فلو كانت مطابقة للواقع فقد أصابت ، وإلّا فقد أخطأت ، وهذا معنى التخطأ في مقام الاستنباط.
هذا ولا يخفى أنّ مسالك الأعلام في جعل الأمارة مختلفة :
فمنهم من جعل مدلول الأمارة علم أو بمنزلة العلم وهو جعل الأحكام ، يذهب إلى هذا المسلك الشيخ الأنصاري ومن تبعه ، والآخوند الخراساني يقول وإن كان كذلك إلّا أنّ الأحكام ليست الأحكام الحقيقيّة بل الأمارة طريق إليها ، فالحكم الواقعي واحد سواء وصل المجتهد إليه أو لم يصل وهذا معنى التخطأ.
ومنهم ، وهو مسلك الآخوند (قدسسره) : جعل في مدلول الأمارة المنجزية والمعذرية ، فإنّ الأمارة منجزة ومعذرة عن الواقع فإن أصابت فمنجزة وإلّا فمعذّرة ، فالأحكام الواقعية على ما هي إلّا أنّها غير منجّزة عند عدم إصابة الأمارة ، بل غير فعليّة بناءً على مسلكه في الفعليّة أي إرادة المولى وشوقه المؤكّد للفعل في بعض الموارد.