وثانياً ـ ان أصل تقسيمه إلى تلك الأقسام لا يخلو عن إشكال. والوجه في ذلك هو ان القسم الثاني (وهو ما إذا كان التزاحم ناشئاً عن التضاد بين الواجبين اتفاقاً) داخل في القسم الأول (وهو ما إذا كان التزاحم فيه ناشئاً عن عدم القدرة اتفاقا) ضرورة ان المضادة بين فعلين من باب الاتفاق لا يمكن تحققها إلا من ناحية عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الإتيان والامتثال. وعليه فلا معنى لجعله قسما ثانيا من التزاحم في قبال القسم الأول ، بل هو هو بعينه.
واما ما ذكره ـ قده ـ من ان المضادة بين الفعلين إذا كانت دائمية فتقع المعارضة بين دليلي حكميهما ففي غاية الصحة والمتانة في الضدين الذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون وما شاكلهما ، ضرورة انه لا يعقل تعلق الأمر بهما حتى على نحو الترتب ، كما تقدم. واما في الضدين الذين لهما ثالث كالقيام والقعود والسواد والبياض ونحوهما فالأمر ليس كما أفاده. وذلك لأن المعارضة في الحقيقة ليست بين نفس دليليهما ، كما هو الحال في الضدين الذين لا ثالث لهما ، وإنما هي بين إطلاق كل منهما وثبوت الآخر. وعليه فلا موجب إلا لرفع اليد عن إطلاق كل منهما بتقييده عند الإتيان بمتعلق الآخر ، لوضوح انه لا معارضة بين أصل ثبوت الخطاب بهذا في الجملة وثبوت الخطاب بذاك كذلك ، وإنما تكون المعارضة بين إطلاق هذا ووجود الآخر وبالعكس ، وهي لا توجب إلا رفع اليد عن إطلاق كل منهما لا عن أصله ، فيكون إطلاق كل واحد منهما مترتبا على عدم الإتيان بالآخر.
ونتيجة ذلك هو الالتزام بالترتب من الجانبين أو الالتزام بالوجوب التخييري إلا فيما إذا علم بكذب أحدهما وعدم صدوره في الواقع ، فعندئذ تقع المعارضة بينهما ، فيرجع إلى قواعد باب التعارض.
واما موارد اجتماع الأمر والنهي فان قلنا بالامتناع اما لدعوى سراية النهي من متعلقه إلى متعلق الأمر ، واما لدعوى ان التركيب بينهما اتحادي فهي من صغريات مسألة التعارض دون التزاحم. وعليه فلا معنى للقول بالترتب فيها