عالم التكوين ، فكما يستحيل انفكاك المعلول عن علته التامة ، فكذلك يستحيل انفكاك الحكم عن موضوعه.
فالنتيجة على ضوء هذين الجانبين هي انه إذا كان هناك دليل آخر يدل على نفي هذا الحكم عن موضوعه الثابت بحاله لا بانتفائه ، فلا محالة يقع التعارض والتكاذب بينه وبين دليله في مقام الإثبات والدلالة ، فان دليله يقتضى ثبوته لموضوعه على تقدير وجوده في الخارج ، وذاك يقتضى نفيه عن ذلك الموضوع على هذا التقدير. ومن الواضح جداً ان الجمع بينهما غير ممكن لاستحالة الجمع بين الوجود والعدم في شيء واحد ، والنفي والإثبات في موضوع فارد.
وصفوة القول : ان التنافي بين الحكمين في مقام الجعل والواقع بالذات أو بالعرض يوجب التنافي والتعارض بين دليليهما في مقام الإثبات والدلالة ولأجل ذلك كان كل منهما في هذا المقام يكذب الآخر فلا يمكن تصديق كليهما معاً والأخذ بهما ، فلا محالة يوجب الأخذ بأحدهما رفع اليد عن الآخر وبالعكس ـ مثلا ـ الأخذ بالدليل الدال على وجوب القصر ـ مثلا ـ في المسألة المزبورة ، أو على وجوب الجمعة في يوم الجمعة لا محالة موجب لرفع اليد عن الدليل الدال على وجوب التمام ، أو على وجوب الظهر ، والأخذ بالدليل الدال على جواز الجمع بين فاطميتين كما هو المشهور يوجب لا محالة رفع اليد عن الدليل الدال على عدم جواز الجمع بينهما. وهكذا.
ومن ذلك يظهر ان التعارض بين الدليلين لا يتوقف على تحقق موضوعهما في الخارج بل ثبوت كل منهما بنحو القضية الحقيقية يستلزم عدم ثبوت الآخر كذلك وكذبه في الواقع ومقام الجعل سواء أتحقق موضوعهما في الخارج أم لم يتحقق ، فان ملاك التعارض وأساسه الموضوعي كما عرفت هو عدم إمكان جعل كلا الحكمين معاً وثبوته في مرحلة الجعل والتشريع اما ذاتاً أو من ناحية العلم الخارجي ، بل قد يحتمل عدم ثبوت كليهما معاً كما لا يخفى ، وكيف كان فعلى هذا الأساس ثبوت كل منهما على نحو القضية الحقيقية يستلزم لا محالة عدم ثبوت الآخر كذلك.