بلزوم الإتيان بالمهم فعلا ، بل يحكم بعدم جواز الإتيان به ، لاستلزامه تفويت ما هو الأهم منه ، ومثاله ما إذا دار الأمر بين حفظ مال الإنسان ـ مثلا ـ فعلا ، وحفظ نفسه في زمان متأخر ، بان لا يقدر على حفظ كليهما معاً ، فلو صرف قدرته في حفظ ماله فعلا فلا يقدر على حفظ نفسه ولو عكس فبالعكس ، كما إذا فرض أن الحاكم حكم بمصادرة أمواله فعلا ، وهو وان كان قادراً على حفظ ماله بالشفاعة عنده ، إلا انه يعلم بأنه يحكم بعد بضع ساعات بقتل نفسه ، فلو توسط عنده فعلا لحفظ ماله ، فلا يقبل توسطه فيما بعد لحفظ نفسه ، لفرض انه لا يقبل توسطه في اليوم الآمرة واحدة ، فاذن يدور امره بين ان يحفظ نفسه في زمان متأخر ويرفع يده عن حفظ ماله فعلا ، وان يحفظ ماله فعلا ويرفع يده عن حفظ نفسه فيما بعد ، ففي مثل ذلك لا إشكال في حكم العقل بترجيح الأول على الثاني ، وتقديمه عليه ، وكذا إذا دار الأمر بين امتثال واجب فعلى آخر وحفظ نفس محترمة في زمان متأخر بان لا يقدر المكلف على امتثال الأول وحفظ الثانية معاً ، فانه لا إشكال في وجوب حفظ القدرة على الواجب المتأخر ، وهو حفظ النّفس المحترمة ورفع اليد عن وجوب الواجب الفعلي. وهكذا.
ثم انه لا يخفى ان ما ذكرناه من تقديم الواجب الأهم على المهم فيما إذا كان متأخراً عنه زمانا بناء على وجهة نظرنا من إمكان الواجب المعلق واضح ، حيث ان الوجوب فعلى على الفرض والواجب أمر متأخر. ومن المعلوم ان فعلية الوجوب تكشف عن كون الواجب في ظرفه واجداً للملاك الملزم. وقد عرفت انه لا فرق في نظر العقل بين تفويت الواجب الفعلي وتفويت الملاك الإلزاميّ ، فكما انه يحكم بقبح الأول ، فكذلك يحكم بقبح الثاني.
وعلى ذلك فان لم يكن ملاك الواجب المتأخر في ظرفه أهم من ملاك الواجب الفعلي ، وكانا متساويين فيحكم العقل بالتخيير بينهما ، وعدم ترجيح الواجب الفعلي على المتأخر ، لعدم العبرة بالسبق الزماني في المقام أصلا.