والوجه فيه هو ان مجرد احتمال كونه عاجزاً عن امتثال التكليف الثابت على ذمته لا يكون عذراً له في تركه وعدم امتثاله عند العقل ما لم يحرز عجزه عنه وعدم قدرته عليه ، ضرورة ان ترك امتثال التكليف لا بد ان يستند إلى مؤمن ، ومن المعلوم ان مجرد احتمال العجز لا يكون مؤمناً ، فاذن لا مناص من الأخذ بالاحتياط.
فقد تحصل مما ذكرناه انه بناء على وجهة نظرنا أيضاً لا تظهر الثمرة بين القول بالتخيير الشرعي في المتساويين ، والقول بالتخيير العقلي فيهما ، فعلى كلا القولين لا مناص من الاحتياط والأخذ بالطرف المحتمل أهميته ، غاية الأمر بناء على التخيير العقلي سقوط أحد الإطلاقين معلوم وسقوط الآخر مشكوك فيه ، ومع الشك لا بد من الأخذ به ، وبناء على التخيير الشرعي سقوط أحد التكليفين معلوم وسقوط الآخر مشكوك فيه وما لم يثبت سقوطه لا يعذر من مخالفته ، ولكن النتيجة واحدة.
واما الدعوى الثانية (وهي جريان البراءة في القسم الأخير من الأقسام المتقدمة) فلان الشك فيه يرجع إلى الشك في كيفية جعل التكليف ، وانه تعلق بالجامع أو بخصوص فرد خاص ، كما لو شككنا في أن وجوب كفارة الإفطار العمدي في شهر رمضان متعلق بالجامع بين صوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً ، أو متعلق بخصوص صوم شهرين ، وحيث ان مرجع ذلك إلى الشك في إطلاق التكليف ، وعدم أخذ خصوصية في متعلقه ، وتقييده بأخذ خصوصية فيه ، والإطلاق والتقييد على ما ذكرناه وان كانا متقابلين بتقابل التضاد ، إلا ان التقييد بما أن فيه كلفة زائدة فهي مدفوعة بأصالة البراءة عقلا ونقلا. وهذا بخلاف الإطلاق ، حيث انه ليس فيه أية كلفة لتدفع بأصالة البراءة ، فاذن ينحل العلم الإجمالي بجريان الأصل في أحد طرفيه دون الآخر. وتفصيل الكلام في ذلك في بحث البراءة والاشتغال.
والغرض من التعرض هنا الإشارة إلى عدم صحة ما أفاده شيخنا الأستاذ ـ قده ـ من الأخذ بالاحتياط في دوران الأمر بين التعيين والتخيير مطلقاً.