عقلا ، إذن لا يمكن الحكم بصحة ذلك الفرد المزاحم مع قطع النّظر عما سيجيء من صحة تعلق الأمر بالضدين على نحو الترتب.
واما إذا كان بدلياً كما هو محل الكلام في المقام فبناء على ما هو الصحيح من أن الأوامر متعلقة بالطبائع دون الافراد فمتعلق الأمر هو صرف وجود الطبيعة الجامع بين الحدين ، أو فقل : الجامع بين الافراد العرضية والطولية بلا دخل شيء من الخصوصيات والتشخصات الخارجية فيه.
ومن هنا قد ذكرنا غير مرة ان معنى الإطلاق هو رفض القيود وعدم دخل شيء منها في متعلق الحكم واقعاً لا الجمع بينها ودخل الجميع فيه. ومن الواضح جداً ان وجوب شيء كذلك لا ينافي وجوب شيء آخر في عرضه ، ضرورة انه لا منافاة بين وجوب الصلاة ـ مثلا ـ في مجموع وقتها ـ وهو ما بين الزوال والمغرب ـ وبين وجوب الإزالة أو إنقاذ الغريق أو نحو ذلك في ذلك الوقت ، إذ المفروض ان المطلوب إنما هو صرف وجود الصلاة في مجموع هذه الأزمنة لا في جميعها ، ومن المعلوم انه يكفي في كونه مقدوراً للمكلف القدرة على فرد واحد منها ، وإذا كان مقدوراً صح تعلق الطلب به سواء أكان هناك واجب آخر في تلك الأزمنة أم لم يكن ، فان وجوب واجب آخر إنما ينافي وجوب الصلاة إذا كان وجوبها في جميع تلك الأزمنة لا في مجموعها ، والمفروض انها ليست بواجبة في كل من تلك الأزمنة لينافي وجوبها وجوب واجب آخر ، بل هي واجبة في المجموع ، وعليه فلا ينافيه وجوب شيء آخر في زمان خاص.
نعم وجوب واجب آخر ينافي ترخيص انطباق صرف وجود الطبيعة على الفرد في ذلك الزمان ، ولا يفرق في ذلك بين القول بان منشأ اعتبار القدرة في فعلية التكليف هو حكم العقل ، أو اقتضاء نفس التكليف ذلك ، إذ على كلا القولين لو عصى المكلف الأمر بالواجب المضيق وأتى بالفرد المزاحم به صح لانطباق المأمور به عليه.