ومع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة ، وأما ما تضمن منها فعله فكذلك بناء على عدم وجوب التأسي ، وعلى تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي ، وكلامنا فيه لا في سابقه ، للاتفاق كما عرفت على عدمه ».
قلت : لعل الأظهر والأحوط وجوب الاستيعاب وإنما كان الركن المسمى منه ، والنصوص المزبورة لا دلالة فيها على كفاية المسمى ، وانما أقصاها التشاغل عند زوال الشمس بمقدمات الوقوف من الغسل والجمع بين الصلاتين ونحوهما ، لا أنه يجزي المسمى ، ومن هنا كان ذلك خيرة الذخيرة والحدائق وبعض من تأخر عنهما ، على أنه يمكن كون هذه المقدمات كلها بعرفة ، فلا تنافي نية الوقوف كما عساه يشهد لذلك أن المستحب الجمع بعرفة ، قال في التذكرة : ويجوز الجمع لكل من بعرفة من مكي وغيره ، وقد أجمع علماء الإسلام على أن الامام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وبذلك يظهر لك أن صلاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد كانت بعرفة كما يشهد له ما في دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد عن علي عليهمالسلام « ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غدا يوم عرفة من منى فصلى الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت الشمس » وحينئذ فيكون المراد من مضيه إلى الموقف الرواح إلى المكان المخصوص المستحب فيه الوقوف ، أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء والتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير والدعاء لنفسه ولغيره مما جاءت به النصوص في ذلك الموقف ، وفيه أمارة أخرى أيضا على مثل هذه المقدمات في الكون بعرفة التي ذكروا فيها استحباب هذه الأمور لا خارجا عنها.
بل لعل قوله في الفقيه : « صلى بها » يراد به عرفة لا نمرة ، وربما يشهد له عبارته في المقنع ، قال : « ثم تلبي وأنت مار الى عرفات ، فإذا ارتقيت الى عرفات
__________________
(١) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.