ومن أعجب ما أحدثته في الحياة الانسانية تشريع أسس ونظم في حقل التكاليف والحقوق مبنية على الفطرة والخلقة البشرية لا تحيد عنها قيد شعرة ، ولم يرتحل صاحب الدعوة وحامل الشريعة حتى أرسى دعائم أعظم حضارة عرفتها البشرية فكان رائدها وموجدها حيث لم ير التاريخ مثلها فيما عبر وغبر في الشمولية والعمومية. فصارت الشريعة الاسلامية كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وصار المسلمون مراجع في الكلام والعقيدة ، وأساتذة في الأخلاق وعباقرة العلوم ، وعلماء شامخين في الوظائف والحقوق ، استغنوا في ظل التشريع الاسلامي عن أي تشريع سواه. ومن مميزاتها البارزة شموليتها وعموميتها بحيث لم يبق موضوع إلا وتناولته تشريعا وتقنينا ، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الشريعة الاسلامية ليست وليدة الفكر البشري المتناهي وإنما هي أثر العلم والقدرة الواسعين غير المتناهيين.
حفاظ الشريعة وحملتها :
لبى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم دعوة ربه وترك كنزين ثمينين ووديعتين كريمتين عرفهما في حديثه الخالد المعروف بحديث الثقلين وقال : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي فكان الكتاب شمسا ساطعة ، والعترة الطاهرة أقمارا منيرة أناروا الطريق للمهتدين.
ومن حسن الحظ أنّ جيلا كبيراً من الأمة الإسلامية قد استضاءوا وبنورهم ووصلوا القمة في مجال العلم والعمل، ومعالم الفقه الفقه ومكارم الأخلاق ، فصاروا نجوماً في سماء العلم يهتدي بهم الناس في حياتهم فحملوا الشريعة دقيقها وجليلها إلى لا الآخرين إلى أن تواصلت حلقات العلم والحديث والتفسير والفقه إلى العصر الحاضر.
فسلام الله على العترة الطاهرة حملة السنة النبوية وحفظة الشريعة ، وعلى أصحابهم المتربين في حجورهم الطاهرة ، الحافظين لعلومهم وأسرارهم ، والناقلين لأمانتهم إلى الأجيال اللاحقة ، فهم كما قال رسول الله : يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد (١)
ولو عرضنا أسماء من تخرجوا من مدرستهم في القرون الاسلامية الأولى وبالأخص في
__________________
(١) رجال الكشي : ١٠.