ثمّ قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قطعا لطمع الكفّار فيما قالوا له : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الرسل (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) كلام على سبيل فرض المحال ، والأمر المحال يصحّ فرضه لغرض من الأغراض. ألا ترى إلى قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١). يعني : على سبيل الإلجاء ، ولن يكون ذلك لامتناع الداعي إليه ، ووجود الصارف عنه. والغرض هاهنا من هذا الفرض تهييج الرسل ، وإقناط المرسلين عنهم ، وإشعار على تهديد الأمّة على الإشراك. وإفراد الخطاب باعتبار كلّ واحد. واللام الأولى موطّئة للقسم المحذوف ، والثانية للجواب. وهذا الجواب سادّ مسدّ الجوابين ، أعني : جوابي القسم والشرط.
وإطلاق الإحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم ، لأنّ شركهم أقبح. ألا ترى إلى قوله : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) (٢). وأن يكون على التقييد بالموت ، كما صرّح به في قوله : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (٣). وليس فيه ما يدلّ على صحّة القول بالإحباط على ما يذهب إليه أهل الوعيد ، لأنّ المعنى فيه : أنّ من أشرك في عبادة الله غيره ـ من الأصنام وغيرها ـ وقعت عبادته على وجه لا يستحقّ عليها الثواب به. ولأجل ذلك وصفها بأنّها محبطة ، إذ لو كانت العبادة خالصة لوجه الله لاستحقّ عليها الثواب. وعطف الخسران عليه من عطف المسبّب على السبب.
ثمّ ردّ ما أمروه به من استلام بعض آلهتهم بقوله : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) كأنّه قال : لا تعبد ما أمروك بعبادته ، بل إن كنت عاقلا فاعبد الله. فحذف الشرط ، وجعل
__________________
(١) يونس : ٩٩.
(٢) الإسراء : ٧٥.
(٣) البقرة : ٢١٧.