عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (١).
ولمّا أنكر عليهم التصرّف في نبوّته ، بأن ليس عندهم خزائن رحمته الّتي لا نهاية لها ، أردف ترشيحا لهذا المعنى (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي : ليس لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني الّذي هو جزء يسير من خزائنه ، فمن أين لهم أن يتصرّفوا فيها؟
ثمّ تهكّم بهم غاية التهكّم ، فقال : إن كان لهم ذلك (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) فليصعدوا في المعارج والطرق الّتي يتوصّل بها إلى العرش حتّى يستووا عليه ، ويدبّروا أمر العالم ، فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون. والسبب في الأصل هو الوصلة. وقيل : المراد بالأسباب السماوات ، لأنّها أسباب الحوادث السفليّة.
ثمّ استصغرهم واستحقرهم عن هذا الأمر الجليل والخطب العظيم ، فقال : (جُنْدٌ ما) «ما» مزيدة للتقليل ، كقولك : أكلت شيئا ما ، أي : هم جند قليل حقير جدّا (هُنالِكَ) إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول. أو إشارة إلى مصارعهم ببدر. (مَهْزُومٌ) مكسور عمّا قريب (مِنَ الْأَحْزابِ) من الكفّار المتحزّبين على الرسل ، وأنت منصور عليهم مظفّر غالب ، فمن أين لهم التدابير الإلهيّة والتصرّف في الأمور الربّانيّة؟ فلا تبال بما يقولون.
ثمّ هدّدهم باستئصال الأحزاب المكذّبين المعاندين في سالف زمانهم ، فقال : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل هؤلاء الكفّار (قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) ذو الملك الثابت بالأوتاد ، كقوله :
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة |
|
في ظلّ ملك ثابت الأوتاد |
مأخوذ من ثبات البيت المطنّب بأوتاده. أو ذو الجموع الكثيرة. سمّوا بذلك لأنّهم يشدّون ملكه ، ويقرّون أمره. أو لأنّ بعضهم يشدّ بعضا ، كالوتد يشدّ البناء. أو
__________________
(١) الدّخان : ٣٢.