ورضيه ، وأنّ الله لا يحبّ الظالمين ، فلا يحبّونهم ، وإذا لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم. قال الله تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (١). وقال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٢). ولأنّ الشفاعة لا تكون إلّا في زيادة التفضّل ، وأهل التفضّل وزيادته إنّما هم أهل الثواب ، بدليل قوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (٣). وعن الحسن : والله ما يكون لهم شفيع البتّة.
والفائدة في ذكر الصفة ونفيها ـ مع أنّ الغرض حاصل بذكر الشفيع ونفيه فقط ـ إقامة انتفاء الموصوف مقام الشاهد على انتفاء الصفة ، لأن الصفة لا تتأتّى بدون موصوفها ، فيكون ضمّها إليه إزالة لتوهّم وجود الموصوف. بيانه : إنّك إذا عوتبت على القعود عن الغزو فقلت : ما لي فرس أركبه ، ولا معي سلاح أحارب به ، فقد جعلت عدم الفرس وفقد السلاح علّة مانعة من الركوب والمحاربة. كأنّك تقول : كيف يتأتّى منّي الركوب والمحاربة ولا فرس لي ولا سلاح معي؟ فكذلك قوله : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) معناه : كيف يتأتّى التشفيع ولا شفيع؟
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) أي : النظرة الخائنة ، كالنظرة الثانية إلى غير المحرم ، واستراق النظر إليه ، على أن تكون صفة للنظرة. أو خيانة الأعين ، على أن تكون مصدرا بمعنى الخيانة ، كالعافية بمعنى المعافاة. ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين ، لأنّه لا يساعد عليه قوله : (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) من الضمائر.
والجملة خبر خامس ، للدلالة على أنّها ما من خفيّ إلّا وهو متعلّق العلم والجزاء ، مثل «يلقي الروح» ، ولكن «يلقي الروح» قد علّل بقوله : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ). ثمّ استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) ، فبعد
__________________
(١) البقرة : ٢٧٠.
(٢) الأنبياء : ٢٨.
(٣) النساء : ١٧٣.