ترتفع عن مقارّها فتلتصق بحلوقهم ، فلا هي تخرج فيموتوا ، ولا ترجع إلى موضعها فيتنفّسوا ويتروّحوا ، ولكنّها معترضة كالشجا (١).
(كاظِمِينَ) ممتلئين غمّا وخوفا. حال من أصحاب القلوب على المعنى ، لأنّ المعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها. ويجوز أن يكون حالا من القلوب ، أي : حال كون القلوب كاظمة على غمّ وكرب فيها مع بلوغها الحناجر.
وإنّما جمع جمع السلامة ، لأنّه وصفها بالكظم الّذي هو من أفعال العقلاء ، كما قال : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٢). وقال : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٣). أو من مفعول «أنذرهم» على أنّه حال مقدّرة ، أي : أنذرهم مقدّرين أو مشارفين الكظم ، كقوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٤).
(ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) قريب مشفق (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) أي : شفيع يشفع ، فإنّ المطاع مجاز في المشفع ، لأنّ حقيقة الطاعة نحو حقيقة الأمر ، في أنّها لا تكون إلّا لمن فوقك ، فلو كان المطاع على حقيقته لكان الله مطيعا ، والمطيع يكون أدنى مرتبة ، تعالى الله عن ذلك. والضمائر إن كانت للكفّار ـ وهو الظاهر ـ كان وضع الظالمين موضع ضميرهم ، للدلالة على اختصاص ذلك بهم ، وأنّه لظلمهم.
واعلم أنّ معنى قوله : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) نفي الشفاعة والطاعة معا ، لا نفي الطاعة دون الشفاعة. كما تقول : ما عندي كتاب يباع. فهو محتمل نفي البيع وحده ، وأنّ عندك كتابا إلّا أنّك لا تبيعه ، ونفيهما جميعا ، بأن لا كتاب عندك ، ولا كونه مبيعا. لأنّ الشفعاء هم أولياء الله ، وأولياء الله لا يحبّون ولا يرضون إلّا من أحبّه الله
__________________
(١) الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه.
(٢) يوسف : ٤.
(٣) الشعراء : ٤.
(٤) الزمر : ٧٣.