ثمّ قال لهم على وجه التخويف والوعظ : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) صحّة ما أقول لكم من النصيحة إذا حصلتم في العذاب بكفركم. ثمّ أظهر إيمانه بقوله : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ليعصمني من كلّ سوء. والأمر : اسم جنس. (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) عالم بأحوالهم وبما يفعلونه من الطاعة والمعصية.
وهذا جواب توعّدهم المفهوم من قوله : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) صرف الله عنه شدائد مكرهم ، وما همّوا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم ، فنجا مع موسى حتّى عبر البحر (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ) بفرعون وقومه. واستغنى بذكرهم عن ذكره ، للعلم بأنّه أولى بذلك. وقيل : بطلبة المؤمن من قومه ، فإنّه فرّ إلى جبل ، فبعث فرعون بطائفة فوجدوه يصلّي والوحوش صفوف حوله ، فرجعوا رعبا ، فقتلهم.
(سُوءُ الْعَذابِ) الغرق ، أو القتل ، أو النار.
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) جملة مستأنفة. أو «النار» خبر محذوف ، و «يعرضون» استئناف للبيان. أو بدل من «سوء العذاب» ، و «يعرضون» حال من النار ، أو من الآل. والمراد بعرضهم على النار إحراقهم بها. من قولهم : عرض الأسارى على السيف إذا قتلوا به. وذلك لأرواحهم ، كما روى ابن مسعود : أنّ أرواحهم في أجواف طيور سود ، تعرض على النار بكرة وعشيّا إلى يوم القيامة.
وذكر الوقتين يحتمل التخصيص والتأبيد. وفيه دليل على بقاء النفس وعذاب القبر.
وعن نافع ، عن ابن عمر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ ، إن كان من أهل الجنّة فمن الجنّة ، وإن كان من أهل النار فمن النار. فيقال : هذا مقعدك حتّى يبعثك الله يوم القيامة». أورده البخاري (١) ومسلم في الصحيح. وقال أبو عبد الله عليهالسلام : ذلك في البرزخ.
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أي : هذا ما دامت الدنيا ، فإذا قامت الساعة قيل لهم :
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ١٢٤. صحيح مسلم ٤ : ٢١٩٩ ح ٦٥.