ولمّا كانت مجادلتهم في آيات الله مشتملة على إنكار البعث ، وهو أصل المجادلة ومدار المخاصمة ، فاحتجّ بخلق السماوات والأرض ، لأنّهم كانوا مقرّين بأنّ الله خالقهما ، فقال :
(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) فمن قدر على خلقهما مع عظمهما من غير أصل ، ووقوفهما بغير عمد ، قدر على خلق الإنسان مع مهانته (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لأنّهم لا ينظرون ولا يتأمّلون ، لفرط غفلتهم واتّباعهم أهواءهم. يعني : أنّهم إذا أقرّوا بأنّ الله تعالى خلق السماوات والأرض ، فكيف أنكروا قدرته على إحياء الموتى؟! ولكنّهم أعرضوا عن التدبّر ، فحلّوا محلّ الجاهل الّذي لا يعلم شيئا.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الغافل المتكبّر والعاقل المستبصر ، أي : لا يستوي من أهمل نفسه ومن تفكّر فعرف الحقّ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) أي : المحسن والمسيء ، في الكرامة والإهانة ، والهدى والضلال. فينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها التفاوت ، وهي فيما بعد البعث.
وزيادة لفظة «لا» في «المسيء» لأنّ المقصود نفي مساواة المسيء للمحسن فيما له من الفضل والكرامة. والعاطف الثاني عطف الموصول بما عطف عليه على الأعمى والبصير ، لتغاير الوصفين في المقصود ، أو الدلالة بالصراحة والتمثيل.
(قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) أي : تذكّرا قليلا يتذكّرون. أو قليلا تذكّرهم. والضمير للناس ، أو الكفّار. وقرأ الكوفيّون بالتاء ، على تغليب المخاطب ، أو الالتفات ، أو أمر الرسول بالمخاطبة.
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) لا شكّ في مجيئها ، لوضوح الدلالة على جوازها ، وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) لا يصدّقون بها ، لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسّون به.