المجادل فيه ، أو للتوكيد.
ثمّ وصفهم بالتكذيب فقال : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) بالقرآن ، أو بجنس الكتب السماويّة (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) من سائر الكتب ، أو الوحي والشرائع (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) جزاء تكذيبهم ، فيعرفون أنّ ما دعوتهم إليه حقّ ، وما ارتكبوه ضلال وفساد.
(إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) ظرف لـ «يعلمون» إذ المعنى على الاستقبال ، وإن كان «إذ» للمضيّ. والتعبير عن الاستقبال بلفظ المضيّ لتيقّنه ، فلا يكون ذلك مثل قولك : سوف أصوم أمس. (وَالسَّلاسِلُ) عطف على الأغلال. أو مبتدأ خبره (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ) والعائد محذوف ، تقديره : يسحبون ـ أي : يجرّون ـ بها في الماء الحارّ الّذي قد انتهت حرارته. وهو على الأوّل حال.
(ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) أي : يقذفون وتوقد بهم في جميع جوانبهم. من : سجر التنّور إذا ملأه بالوقود. ومنه : السجير للصديق ، كأنّه سجر بالحبّ ، أي : مليء. والمعنى : أنّهم في النار ، فهي محيطة بهم ، وهم مسجورون بالنار ، مملوءة بها أجوافهم. ومنه : قوله : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (١). والمراد : تعذيبهم بأنواع من العذاب ، وينقلون من بعضها إلى بعض.
(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) غابوا عن عيوننا ، فلا نراهم لننتفع بهم (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) بل تبيّن لنا أنّا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم ، كقولك : حسبت أنّ فلانا شيء ، فإذا هو ليس بشيء ، إذا لم تر عنده خيرا.
(كَذلِكَ) مثل ضلال آلهتهم عنهم (يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) يضلّهم عن آلهتهم ، حتّى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا. أو المعنى : كما أضلّ الله أعمال هؤلاء وأبطل ما كانوا يؤمّلونه ، كذلك يفعل بجميع من يتديّن بالكفر ، فلا ينتفعون
__________________
(١) الهمزة : ٦ ـ ٧.