(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ) يميلون عن الاستقامة (فِي آياتِنا) يقال : ألحد الحافر ولحد ، إذا مال عن الاستقامة ، فحفر في شقّ. فاستعير للانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحّة والاستقامة ، والطعن فيها ، وإلقاء المزخرفات ، وفعل المكاء (١) والصفير في أثناء قراءتها. (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) فنجازيهم على إلحادهم.
(أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ) وهم الملحدون (أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) من عذاب الله. وهم المؤمنون المطيعون. والاستفهام للتقرير ، أي : لا يستويان أصلا. قابل الإلقاء في النار بالإتيان آمنا مبالغة في إحماد حال المؤمنين. (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) تهديد شديد (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) عالم لا يخفى عليه شيء منها.
ثمّ أخبر عنهم مهجّنا لهم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا) بعد إذ (جاءَهُمْ) بدل من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا). أو مستأنف. وخبر «إنّ» محذوف ، مثل : معاندون ، أو يجازون بكفرهم. وعن أبي عمرو بن العلاء النحويّ : أنّ خبره (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٢). والمراد بالذكر القرآن ، لأنّهم ـ لكفرهم به ـ طعنوا فيه وحرّفوا تأويله. (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) كثير النفع ، عديم النظير ، أو منيع محميّ بحماية الله من التغيير والتبديل.
(لا يَأْتِيهِ) لا يتطرّق إليه (الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) وهذا مثل ، كأنّ الباطل لا يتطرّق إليه ، ولا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتّى يصل إليه ويتعلّق به. أو المراد : ليس في إخباره عمّا مضى باطل ، ولا في إخباره عمّا يكون
__________________
(١) مكا مكاء : صفر بفيه.
(٢) فصّلت : ٤٤.