قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) إلّا ما تعطيه الكناية من فائدتها ، فكأنّهما عبارتان معتقبتان على معنى واحد ، وهو نفي المماثلة عن ذاته. ونحوه قوله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (١) ، فإنّ معناه : بل هو جواد من غير تصوّر يد ولا بسطها ، لأنّهما وقعتا عبارة عن الجود ، لا يقصدون شيئا آخر ، حتّى إنّهم استعملوها فيمن لا يد له ، فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له.
ومن قال : الكاف فيه زائدة ، لعلّه عنى أنّه يعطي معنى : ليس مثله ، غير أنّه أكّد لما ذكرناه. وقيل : مثله صفته ، أي : ليس كصفته صفة.
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي : العالم بكلّ ما يسمع ويبصر.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خزائنها (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يوسّع ويضيّق على وفق مشيئته (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيفعله على ما ينبغي. فإذا علم أنّ الغنى خير للعبد أغناه ، وإلّا أفقره.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥))
__________________
(١) المائدة : ٦٤.