الحكمة والتدبير ، فيطير (١) لبعض العباد صنف من البرّ لم يطر مثله لآخر ، ويصيب هذا حظّ له وصف ليس ذلك الوصف لحظّ صاحبه. فمن قسّم له منهم ما لم يقسّم للآخر فقد رزقه ، كما يرزق أحد الأخوين ولدا دون الآخر ، على أنّه أصابه بنعمة اخرى لم يرزقها صاحب الولد. أو معناه : يوسع الرزق على من يشاء. يقال : فلان مرزوق ، إذا وصف بسعة الرزق.
وقيل : معناه : يرزق من يشاء في خفض ودعة ، ومن يشاء في كدّ وتعب. وكلّ من يرزقه الله من ذي روح ، فهو ممّن يشاء أن يرزقه.
(وَهُوَ الْقَوِيُ) الباهر القدرة (الْعَزِيزُ) المنيع الغالب الّذي لا يغلب.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) ثوابها ، أو العمل الّذي يوجب ثوابها. شبّهه بالزرع من حيث إنّه فائدة تحصل بعمل الدنيا ، ولذلك قيل : الدنيا مزرعة الآخرة. والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض. ويقال للزرع الحاصل منه أيضا. (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها. أو نوفّقه في عمله ، فضوعفت حسناته. فسمّى ما يعمله العامل ممّا يبغي به الفائدة والزكاء حرثا على المجاز.
(وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) شيئا منها ، لا ما يريده ويبتغيه. وهو رزقه الّذي قسمنا له. (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) إذ الأعمال بالنيّات ، ولكلّ امرئ ما نوى.
وقيل : معناه من قصد بالجهاد وجه الله فله سهم الغانمين والثواب في الآخرة ، ومن قصد به الغنيمة لم يحرم ذلك ، وحصل له سهمه من الغنيمة ، ولكن لا نصيب له من الثواب في الآخرة.
وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من كانت نيّته الآخرة جمع الله شمله ،
__________________
(١) أي : يقسم ، من : أطار المال : قسمه.