وقيل : الّذي توزن به الأجناس. وإنزاله الوحي بإعداده والأمر به في الكتب السماويّة.
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) إتيانها ، فاتّبع الكتاب ، واعمل بالشرع ، وواظب على العدل ، قبل أن يفاجئك اليوم الّذي توزن فيه أعمالك وتوفى جزاؤك. وقيل : تذكير القريب لأنّه بمعنى : ذات قرب ، أو لأنّ الساعة بمعنى البعث.
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) استهزاء (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) خائفون من مجيئها ، مع اعتنائهم بها ، لتوقّع الثواب (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) الكائن لا محالة (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ) يجادلون فيها ، فيخاصمون في مجيئها على وجه الإنكار لها. من المرية ، أي : يدخلهم المرية والشكّ. أو من : مريت الناقة ، إذا مسحت ضرعها بشدّة للحلب ، لأنّ كلّا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدّة. (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) عن الحقّ ، لأنّ قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله ، ولدلالة الكتاب المعجز على أنّها آتية ، ولشهادة العقول على أنّه لا بدّ من دار جزاء. فالبعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات ، فمن لم يهتد لتجويزه فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه.
(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) برّ بهم بصنوف من البرّ بحيث لا تبلغها الأفهام. أو عالم بخفيّات الأمور والغيوب ، فيوصل النعمة إلى العباد من وجه يدقّ إدراكه ، بأن يعطيهم النعم الّتي لا يترقّبونها ، ويصرف الآفات عنهم ، ويدخل السرور والملاذّ إليهم ، بحيث خفي أسبابها عنهم ، وغير ذلك من الألطاف الّتي لا يوقف على كنهها لغموضها.
(يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أي : يرزقه كما يشاء ، فيخصّ كلّا من عباده بنوع من البرّ على ما اقتضته حكمته. يعني : كلّهم مبرورون بحيث لا يخلو أحد من برّه ، إلّا أنّ البرّ أصناف ، وله أوصاف ، والقسمة بين العباد تتفاوت على حسب تفاوت قضايا