التسوية من الحكيم.
والمعنى : أنّه لو بطل الجزاء كما قال المشركون لاستوت عند الله أحوال من أصلح وأفسد ، واتّقى وفجر ، ومن سوّى بينهما كان سفيها ولم يكن حكيما.
والآية تدلّ على صحّة القول بالحشر ، فإنّ التفاضل بينهما إمّا أن يكون في الدنيا ، والغالب فيها عكس ما تقتضي الحكمة فيه ، أو في غيرها ، وذلك يستدعي أن تكون دار اخرى يجازون فيها.
ثمّ خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) نفّاع (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ليتفكّروا فيها ، فيعرفوا ما يدبّر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني الحسنة ، فإنّ من اقتنع بظاهر المتلوّ ، كان مثله كمثل من له لقحة (١) درور لا يحلبها ، ومهرة نثور لا يستولدها.
وعن الحسن : قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ، حفظوا حروفه وضيّعوا حدوده ، حتّى إنّ أحدهم ليقول : والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا. وقد والله أسقطه كلّه ، ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل. والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده. والله ما هؤلاء بالحكماء ولا الوزعة (٢) ، لا كثّر الله في الناس مثل هؤلاء. اللهمّ اجعلنا من العلماء المتدبّرين ، وأعذنا من القرّاء المتكبّرين.
(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ
__________________
(١) اللقحة : الناقة الحلوب الغزيرة اللبن. والدرور أيضا : الناقة الكثيرة الدرّ. والمهرة والمهر : ولد الفرس. والنثور : الكثيرة الولد.
(٢) الوزعة جمع الوازع ، وهو الذي يكفّ عن الضرر ، أو يزجر نفسه عن معاصي الله تعالى.