يقال : إنّ هذا الكلام متناقض ، لأنّ معناه : ما من آية من التسع إلّا وهي أكبر من كلّ واحدة منها ، فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة.
(وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) كالسنين والطوفان والجراد (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي : على وجه يرجى رجوعهم.
(وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) نادوه بذلك في تلك الحال لشدّة شكيمتهم وفرط حماقتهم. أو لأنّهم كانوا يسمّون العالم الماهر ساحرا ، لاستعظامهم السحر ، فلم يكن صفة ذمّ. (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) فيكشف عنّا العذاب (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) بعهده عندك من النبوّة كما زعمت. أو من أن يستجيب دعوتك. أو أن يكشف العذاب عمّن اهتدى. أو بما عهد عندك فوفيت به ، وهو الإيمان والطاعة. (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ).
وقال بعضهم (١) في تطبيق تسميتهم موسى بالساحر مع قولهم : «إنّنا لمهتدون» : إنّ قولهم هذا وعد منويّ إخلافه ، وعهد معزوم على نكثه ، كما دلّ عليه قوله : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) بدعاء موسى (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) فاجئوا نكث عهدهم بالاهتداء. فما كانت تسميتهم إيّاه بالساحر بمنافية لقولهم : (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ).
وفي هذا تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ المعنى : اصبر يا محمد على أذى قومك ، فإنّ حالك معهم كحال موسى مع قومه ، فيؤول أمرك إلى الاستعلاء على قومك كما آل أمره إلى ذلك.
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) جعلهم محلّا لندائه وموقعا له. والمعنى : نادى فرعون بنفسه في مجامع قومه عند عظماء القبط ، فيرفع صوته بذلك فيما بينهم ، ثمّ ينشر عنه في جموع القبط ، فكأنّه نودي به بينهم. أو أمر بالنداء في مجامعهم من نادى بذلك ، فأسند النداء إليه ، كقولك : قطع الأمير اللصّ ، إذا أمر بقطعه.
(قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ) أنهار النيل. ومعظمها أربعة
__________________
(١) الكشّاف ٤ : ٢٥٧.