أماته. ومنه قوله تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (١). وهو لا ينافي إبلاسهم ، لأنّهم معذّبون أزمنة متطاولة وأحقابا ممتدّة ، فتختلف بهم الأحوال ، فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم ، وعلمهم أنّه لا فرج لهم ، ويغوّثون (٢) أوقاتا لشدّة ما بهم.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يلقى على أهل النار الجوع حتّى يعدل ما هم فيه من العذاب ، فيقولون : ادعوا مالكا. فيدعون : يا مالك ليقض علينا ربّك».
(قالَ) أي : قال الله ، أو مالك (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) لا خلاص لكم بموت ولا غيره.
(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) بالإرسال والإنزال. وهو تتمّة الجواب إن كان في «قال» ضمير الله ، وإلّا فجواب منه. فكأنّه تعالى تولّى جوابهم بعد جواب مالك.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ) معاشر الخلق (لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لما في اتّباعه من إتعاب النفس وإدءاب (٣) الجوارح ، ولألفتكم بالباطل فكرهتم مفارقته. عن ابن عبّاس : إنّما يجيبهم بهذا الجواب بعد ألف سنة.
(أَمْ أَبْرَمُوا) إضراب عن الكلام السابق ، أي : ما سمعوا هذا القول بسمع القبول ، بل أحكموا (أَمْراً) من كيدهم ومكرهم بالرسول ، ولم يقتصروا على كراهة الحقّ (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) كيدنا بهم في مجازاة ما أبرموا من كيدهم ، كقوله : (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) (٤).
(أَمْ يَحْسَبُونَ) بل أَيظنّ هؤلاء الكفّار (أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) حديث أنفسهم بذلك ، أو تحديثهم غيرهم في مكان خال (وَنَجْواهُمْ) وتناجيهم ، أي : ما تكلّموا به فيما بينهم (بَلى) نسمعهما ونطّلع عليهما (وَرُسُلُنا) والحفظة مع ذلك
__________________
(١) القصص : ١٥.
(٢) أي : يقولون : وا غوثاه.
(٣) أدأب إدآبا : أتعب.
(٤) الطور : ٤٢.