وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض ، وهو المبالغة في نفي الولد على أبلغ الوجوه. وذلك أنّه علّق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال في نفسها ، فكان المعلّق بها محالا مثلها. فهو في صورة إثبات كينونة الولد والعبادة ، وفي معنى نفيهما ، على أبلغ الوجوه وأقواها. ونظيره أن يقول العدليّ للمجبّر : إن كان الله خالقا للكفر في القلوب ، ومعذّبا عليه عذابا سرمدا ، فأنا أوّل من يقول : هو شيطان وليس بإله.
فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه : نفي أن يكون الله خالقا للكفر ، وتنزيهه عن ذلك وتقديسه ، على طريق المبالغة فيه من الوجه الّذي ذكرنا. مع الدلالة على سماجة المذهب وضلاله الذاهب إليه ، والشهادة القاطعة بإحالته ، والإفصاح عن نفسه بالبراءة منه ، وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه.
وقد تمحّل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف ، المليء بالنكت والفوائد المستقلّة بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه. فقيل : إن كان للرحمن ولد في زعمكم ، فأنا أوّل الآنفين من أن يكون له ولد. من : عبد يعبد إذا اشتدّ أنفه ، فهو عبد وعابد.
وقيل : «إن» نافية ، أي : ما كان للرحمن ولد ، فأنا أوّل من قال بذلك وعبد ووحّد.
وقرأ حمزة والكسائي : ولد ، بالضمّ وسكون اللام.
ثمّ نزّه سبحانه نفسه عن ذلك فقال : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) عن كونه ذا ولد ، فإنّ هذه الأجسام لكونها أصولا ذات استمرار تبرّأت عمّا يتّصف به سائر الأجسام من توليد المثل ، فما ظنّك بمبدعها وخالقها؟! ثمّ خاطب نبيّه على وجه التهديد للكفّار ، فقال : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في