شأن لا يخفى.
فلمّا قال ذلك توعّدوه بالقتل والرجم ، فقال : (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) التجأت إليه توكّلا عليه (أَنْ تَرْجُمُونِ) أن تؤذوني ضربا أو شتما ، أو تقتلوني. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : عتّ بالإدغام (١).
(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) فكونوا بمعزل منّي ، واقطعوا أسباب الوصلة عنّي. أو فخلّوني واتركوني لا عليّ ولا لي ، ولا تتعرّضوا لي بسوء ، فإنّه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلاحكم.
(فَدَعا رَبَّهُ) بعد ما كذّبوه ويئس من أن يؤمنوا به (أَنَّ هؤُلاءِ) بأنّ هؤلاء (قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) وهو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ، ولذلك سمّاه دعاء.
قيل : كان دعاؤه : اللهمّ عجّل لهم ما يستحقّونه بإجرامهم. وقيل. هو قوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢). وما دعا عليهم إلّا بعد أن أذن له في ذلك.
(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) أي : فقال : أسر. أو قال : إن كان الأمر كذلك فأسر ببني إسرائيل. وقرأ ابن كثير ونافع بوصل الهمزة ، من : سرى. (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) يتّبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم.
(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) مفتوحا ذا فجوة واسعة. أو ساكنا على هيئته ، قارّا على حاله ، من انتصاب الماء ، وكون الطريق يبسا بعد ما جاوزته ، ولا تضربه بعصاك ، ولا تغيّر منه شيئا ليدخله القبط ، ويطمع فرعون في دخوله. فقد روي : أنّ موسى عليهالسلام لمّا جاوز البحر أراد أن يضربه بعصا فينطبق كما ضربه فانفلق ، فقال سبحانه : اتركه يا موسى. (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) أي : سيغرقهم الله.
__________________
(١) أي : بإدغام الذال في التاء.
(٢) يونس : ٨٥.