ولمّا ختم الله سبحانه سورة الدخان بذكر القرآن ، افتتح هذه السورة أيضا بذكره ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم) إن جعلتها اسما مبتدأ ، وخبرها (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) احتجت إلى إضمار مثل : تنزيل حم. وإن جعلتها تعديدا للحروف ، كان «تنزيل» مبتدأ خبره (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) القادر الّذي لا يغالب (الْحَكِيمِ) العالم الّذي أفعاله كلّها حكمة وصواب. وعلى الأوّل الجارّ صلة للتنزيل.
وقيل : «حم» مقسم به ، و (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) صفته ، وجواب القسم (إِنَّ فِي السَّماواتِ) وهو يحتمل أن يكون على ظاهره الذوات. وأن يكون المعنى : إنّ في خلق السماوات (وَالْأَرْضِ لَآياتٍ) لدلالات واضحات على أنّ لهما مدبّرا صانعا قادرا عالما (لِلْمُؤْمِنِينَ) المنتفعين بالآيات.
ويؤيّد الاحتمال الثاني قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) عطف على «خلقكم». ولا يحسن عطفه على الضمير المجرور ، لأنّهم استقبحوا أن يقال : مررت بك وزيد ، وهذا أبوك وعمرو.
ولا شبهة أنّ في بثّ الدوابّ وتنوّعها ومنافعها ، والمقاصد المطلوبة منها في المعاش (آياتٌ) دلائل على وجود الصانع المختار (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) يطلبون علم اليقين بالتفكّر والتدبّر. ورفعه محمول على محلّ «إنّ» واسمها.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالنصب حملا على الاسم ، كقولك : إنّ زيدا في الدار وعمرا في السوق ، أو عمرو في السوق.
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وفي ذهاب الليل والنهار ومجيئهما على وتيرة واحدة. أو في اختلاف حالهما من الطول والقصر. أو في اختلافهما في أنّ أحدهما نور والآخر ظلمة.
(وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) من مطر. وسمّاه رزقا لأنّه سببه. (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يبسها.
(وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) باختلاف جهاتها وأحوالها. وقرأ حمزة والكسائي :