زيارتها والإقدام على مزاولتها فأمر مستبعد. فمعنى «ثمّ» الإيذان بأن فعل المقدم عليها بعد ما رآها وعاينها شيء يستبعد في العادات والطباع. وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحقّ ، من تليت عليه وسمعها ، كان مستبعدا في العقول إصراره على الضلالة عندها ، واستكباره عن الإيمان بها.
(كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) أي : كأنّه ، فخفّفت وحذف ضمير الشأن. والجملة في موضع الحال ، أي : يصرّ مثل غير السامع. (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) على إصراره.
والبشارة للتهكّم ، أو على الأصل ، فإنّها ما يظهر أثره على البشرة مهما كان ، وإن غلب استعماله في السرور.
قيل : نزلت في النضر بن الحارث ، وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ، ويشغل الناس بها عن استماع القرآن. والآية عامّة في كلّ من كان مضارّا لدين الله.
(وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) وإذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنّه منها (اتَّخَذَها هُزُواً) لذلك العلم ، من غير أن يرى فيها ما يناسب الهزء ، وليري العوام أنّه لا حقيقة لها ، كما فعله أبو جهل حين سمع قوله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) (١). أو كما فعله النضر بن الحارث حين كان يقابل القرآن بأحاديث الفرس. والضمير لـ «آياتنا». ولم يقل : اتّخذه راجعا إلى «شيئا» ـ كما هو مقتضى الظاهر ـ إشعارا بأنّه إذا سمع كلاما وعلم أنّه من الآيات ، بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلّها ، ولم يقتصر على ما سمعه ، لفرط العناد والتوغّل في اللجاج. أو الضمير راجع إلى «شيئا» وتأنيثه لأنّه بمعنى الآية.
(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) من قدّامهم ، لأنّهم متوجّهون إليها. أو من خلفهم ، لأنّها بعد آجالهم ، فإنّ الوراء اسم للجهة الّتي يواريها الشخص من خلف أو قدّام. (وَلا يُغْنِي) ولا يدفع (عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) من الأموال والأولاد
__________________
(١) الدخان : ٤٣ ـ ٤٤.