ولمّا قدّم سبحانه ذكر الأدلّة ، عقّب. ذلك بالوعيد لمن أعرض عنها ولم يتفكّر فيها ، فقال :
(تِلْكَ آياتُ اللهِ) أي : تلك الآيات دلائله الّتي نصبها للمكلّفين (نَتْلُوها عَلَيْكَ) حال ، وعاملها معنى الإشارة (بِالْحَقِ) ملتبسين به ، أو ملتبسة به (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) أي : بعد آياته. وتقديم اسم «الله» للمبالغة والتعظيم ، كما في قولك : أعجبني زيد وكرمه ، تريد : أعجبني كرم زيد. أو بعد حديث الله ، وهو القرآن ، كقوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (١). وآياته دلائله المتلوّة ، أو القرآن.
والعطف لتغاير الوصفين ، فإنّ الحديث قصص يستخرج منه عبر تبيّن الحقّ من الباطل ، والآيات هي الأدلّة الفاصلة بين الصحيح والفاسد. وقرأ الحجازيّان وحفص وأبو عمرو وروح : يؤمنون بالياء ، ليوافق ما قبله.
(وَيْلٌ) كلمة وعيد يتلقّى بها الكفّار ومستحقّو العذاب. وقيل : هو واد سائل من صديد جهنّم. (لِكُلِّ أَفَّاكٍ) كذّاب. ويطلق ذلك على من يكثر كذبه ، أو يعظم كذبه ، وإن كان في خبر واحد ، ككذب مسيلمة في ادّعاء النبوّة (أَثِيمٍ) كثير الآثام.
(يَسْمَعُ آياتِ اللهِ) آيات القرآن الّتي فيها الحجّة (تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ) يقيم على كفره (مُسْتَكْبِراً) عن الإيمان بالآيات ، مزدريا لها ، معجبا بما عنده. و «ثمّ» للاستبعاد والإصرار بعد سماع الآيات ، كقوله : يرى غمرات الموت ثمّ يزورها (٢).
وذلك أنّ غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائيها بنفسه ويطلب الفرار عنها ، وأمّا
__________________
(١) الزمر : ٢٣.
(٢) لجعفر بن علبة الحارثي. وصدره :
لا يكشف الغمّاء إلّا ابن حرّة |
|
يرى غمرات .......... |
وابن حرّة كناية عن الكريم. والغمّاء : الداهية. وغمرات الموت : شدائده ، كأحوال المعركة الشديدة. وعطف بـ «ثمّ» لما في لقاء الأهوال والغمرات وزيارتها بعد رؤيتها من الاستبعاد.