جميع ذلك ، كما مكّنّاكم بها.
والأوّل أظهر وأوفق ، لقوله : (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) (١). (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً) (٢). وهو أبلغ في التوبيخ ، وأدخل في الحثّ على الاعتبار.
فمعنى الآية : ولقد مكّنّاهم في الشيء الّذي لم نمكّنكم فيه ، من قوّة الأبدان ، وبسطة الأجسام ، وطول العمر ، وكثرة المال.
(وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ليعرفوا بذلك النعم ، ويستدلّوا بها على واهبها ، ويواظبوا على شكرها (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) من الإغناء. وهو القليل منه ، إذ لم يستعملوا هذه القوى في النظر والتفكّر فيما يدلّهم على التوحيد ، فلم ينفعهم جميع ذلك.
(إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) صلة لـ «ما أغنى». وهو ظرف جرى مجرى التعليل. وكذلك «حيث». وذلك لاستواء التعليل والظرف في قولك : ضربته لإساءته ، وضربته إذا أساء ، لأنّك إذا ضربته في وقت إساءته ، فإنّما ضربته فيه لوجود إساءته فيه ، إلّا أنّ «إذ» و «حيث» غلبتا ـ دون سائر الظروف ـ في ذلك.
(وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا) جزاء ما كانوا (بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ) يا أهل مكّة (مِنَ الْقُرى) أي : من أهل القرى. وهم : قوم هود كانوا باليمن ، وقوم صالح بالحجر ، وقوم لوط على طريقهم إلى الشام. (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) أي : نكرّرها تارة في الإعجاز ، وتارة في الإهلاك ، وتارة في التذكير بالنعم ، وتارة في التذكير بالنقم ، وتارة في وصف الأبرار ليقتدى بهم ، وتارة في وصف الفجّار ليجتنب مثل فعلهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لكي يرجعوا عن كفرهم.
__________________
(١) مريم : ٧٤.
(٢) غافر : ٨٢.