لا تخرج منه حتّى أعود إليك. ثمّ انطلق حتّى قام ، فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه ، حتّى لم أسمع صوته. ثمّ انطلقوا وطفقوا يتقطّعون مثل قطع السحاب ذاهبين.
فقال لي رسول الله : هل رأيت شيئا؟
فقلت : نعم ، رأيت رجالا سودا مستثفري (١) ثياب بيض.
قال : أولئك جنّ نصيبين. وكانوا اثني عشر ألفا. والسورة الّتي قرأها عليهم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ).
وروى علقمة عن عبد الله قال : لم أكن مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة الجنّ ، ووددت أنّي كنت معه.
وروي عن ابن عبّاس : أنّهم كانوا سبعة نفر من جنّ نصيبين ، فجعلهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رسلا إلى قومهم.
وقال زرّ بن حبيش : كانوا تسعة نفر ، منهم زوبعة.
وروى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : لمّا قرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الرحمن على الناس سكتوا ، فلم يقولوا شيئا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الجنّ كانوا أحسن جوابا منكم ، لمّا قرأت عليهم : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا : لا ولا بشيء من آلائك ربّنا نكذّب».
ثمّ بيّن سبحانه تمام خبر الجنّ ، فقال حاكيا عنهم : (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) يعنون القرآن. عن عطاء : إنّما قالوا ذلك لأنّهم كانوا يهودا. وعن ابن عبّاس : لأنّهم ما سمعوا بأمر عيسى (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) لما تقدّمه من الكتب (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) من أصول العقائد الحقّة (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) من فروع الشرائع.
__________________
(١) الاستثفار : أن يدخل إزاره بين فخذيه ملويا ، كما يفعل الكلب بذنبه.