يصدّوه عن البيت ، وأحرم هو صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وساق معه الهدي ، ليعلم أنّه لا يريد حربا. فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا : يذهب محمّد إلى قوم قد غزوه في عقر داره ـ أي : أصلها ـ بالمدينة وقتلوا أصحابه ، فيقاتلهم. وظنّوا أنّه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة. واعتلّوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم ، وأنّه ليس لهم من يقوم بأشغالهم. فأخبر الله عن تخلّفهم قبل وقوع ذلك ، فقال :
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) عن الخروج معك ، إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالنا. والأهلون جمع أهل. ويقال : أهلات على تقدير تاء التأنيث ، فإنّه قد جاء أهلة ، كأرض وأرضين وأرضة وأرضات. وأمّا أهال فاسم جمع. (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) من الله على التخلّف.
فكذّبهم الله في الاعتذار والاستغفار بقوله : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي : الّذي خلّفهم ليس بما يقولون ، وإنّما هو الشكّ في الله والنفاق. وطلبهم الاستغفار أيضا ليس بصادر عن حقيقة.
(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) ما يضرّكم ، كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل ، عقوبة على التخلّف. وقرأ حمزة والكسائي بالضمّ. (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) ما يضادّ ذلك من ظفر وغنيمة. وهذا تعريض بردّ قولهم. (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيعلم تخلّفكم وقصدكم فيه.
(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) لا يرجعون إلى من خلّفوا بالمدينة من الأهل والمال ، لظنّكم أن المشركين يستأصلونهم (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) أي : زيّن الشيطان ذلك الظنّ المتمكّن في قلوبكم (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) الظنّ المذكور ، وهو التسجيل عليه بالسوء. أو هو وسائر ما يظنّون بالله ورسوله من الأمور الزائغة. (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) هالكين مستوجبين لسخطه وعقابه