ثمّ عطف سبحانه على ما تقدّم حديث الأنبياء الصابرين على البلوى ، فقال : (وَاذْكُرْ) يا محمّد لأمّتك (عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ليقتدوا بهم في حميد أفعالهم وكريم خلالهم ، فيستحقّوا بذلك حسن الثناء في الدنيا وجزيل الثواب في العقبى ، كما استحقّ هؤلاء الأنبياء.
وقرأ ابن كثير : عبدنا ، فوضع الجنس موضع الجمع ، على أنّ إبراهيم وحده ـ لمزيد شرفه ـ عطف بيان له ، ثمّ عطف ذرّيّته على : عبدنا.
(أُولِي الْأَيْدِي) اولي القوّة في الطاعة (وَالْأَبْصارِ) واولي البصيرة في الدين. أو المعنى : اولي الأعمال الجليلة والعلوم الشريفة. ولمّا كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلّبت ، فقيل في كلّ عمل : هذا ممّا عملت أيديهم ، وإن كان عملا لا يتأتّى فيه المباشرة بالأيدي ، أو كان العمّال جذما (١) لا أيدي لهم.
وفيه تعريض بأنّ الّذين لا يعملون أعمال الآخرة ، ولا يجاهدون في الله ، ولا يفكّرون أفكار ذوي الديانات ، ولا يستبصرون ، في حكم الزمنى (٢) الّذين لا يقدرون على أعمال جوارحهم ، والمسلوبي العقول الّذين لا استبصار لهم.
(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) أي : جعلناهم خالصين لنا (بِخالِصَةٍ) بخصلة خالصة لا شوب فيها. يعني : بسبب هذه الخصلة أخلصناهم. أو أخلصناهم بتوفيقهم لها ، واللطف بهم في اختيارها.
ثمّ فسّر هذه الخصلة الخالصة بقوله : (ذِكْرَى الدَّارِ) تذكيرهم الآخرة ، وترغيبهم فيها ، وتزهيدهم في الدنيا ، كما هو شأن الأنبياء وديدنهم. وإنّما قال : خلوصهم في الطاعة بسبب التذكير ، لأنّ مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه ، وذلك في الآخرة.
__________________
(١) أي : مقطوعي الأيدي.
(٢) أي : المبتلين بالزمانة وتعطيل القوى.