وبيدي غصن من الشجرة أذبّ عنه ، فرفعت الغصن عن ظهره ، فبايعوه على الموت دونه ، وعلى أن لا يفرّوا. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنتم اليوم خير أهل الأرض. ولا شبهة أنّ هذا مشروط بعدم النكث والارتداد. وكان عدد المبايعين ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. وقيل : ألفا وأربعمائة. وقيل : ألفا وثلاثمائة.
وروى الزهري وعروة بن الزبير والمسور بن مخزمة قالوا : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة ، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش. وسار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى إذا كان بغدير (١) الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال : إنّي تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي وغيرهما قد جمعوا لك الأحابيش (٢) وجمعوا جموعا ، وهم قاتلوك وصادّوك عن البيت.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : روحوا. فراحوا حتّى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ خالد بن الوليد بالغميم (٣) في خيل لقريش طليعة ، فخذوا ذات اليمين. وسار صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى إذا كان بالثنيّة (٤) بركت راحلته ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما خلأت القصواء (٥) ، ولكن حبسها حابس الفيل ، فزجرها فوثبت به. قال : فعدل حتّى نزل بأقصى الحديبية
__________________
(١) غدير الأشطاط : قريب من عسفان. وعسفان : منهلة من مناهل الطريق ، وهي من مكّة على مرحلتين.
(٢) الأحابيش : الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.
(٣) الغميم : موضع بين مكّة والمدينة.
(٤) الثنيّة : طريق العقبة. والعقبة : المرقى الصعب من الجبال ، أو الطريق في أعلى الجبال.
(٥) القصواء : الناقة التي قطع طرف أذنها. وفي نهاية ابن الأثير (٤ : ٧٥) : «ولم تكن ناقة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قصواء ، وإنّما كان هذا لقبا لها. وقيل : كانت مقطوعة الأذن».