فلمّا سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا ، بعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسألونه أن يسيّرهم ، ويحقن دماءهم ، ويخلّون بينه وبين الأموال. ففعل. وكان ممّن مشى بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبينهم في ذلك محيّصة بن مسعود ، أحد بني حارثة.
فلمّا نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعاملهم الأموال على النصف. وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها. فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على النصف ، على أنّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. وصالحه أهل فدك على مثل ذلك. فكانت أموال خيبر فيئا بين المسلمين. وكانت فدك خالصة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب.
ولمّا اطمأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم ـ وهي ابنة أخي مرحب ـ شاة مصليّة (١) ، وقد سألت : أيّ عضو من الشاة أحبّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقيل لها : الذراع. فأكثرت فيها السمّ ، وسمّت سائر الشاة ، ثمّ جاءت بها. فلمّا وضعتها بين يديه تناول الذراع ، فأخذها فلاك منها مضغة ، وانتهش منها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، فتناول عظما ، فانتهش منه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ارفعوا أيديكم ، فإنّ كتف هذه الشاة تخبرني أنّها مسمومة. ثمّ دعاها فاعترفت.
فقال : ما حملك على ذلك؟
فقالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان نبيّا فسيخبر ، وإن كان ملكا استرحت منه.
فتجاوز عنها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومات بشر بن البراء من أكلته الّتي أكل.
قال : ودخلت أمّ بشر بن البراء على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تعوده في مرضه الّذي توفّي فيه ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أمّ بشر ما زالت أكلة خيبر الّتي أكلت بخيبر مع ابنك
__________________
(١) صلى اللحم : شواه ، فاللحم مصليّ.