قال ابن إسحاق : ولمّا افتتح القموص حصن ابن أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بصفيّة بنت حييّ بن أخطب وبأخرى معها. فمرّ بهما بلال ـ وهو الّذي جاء بهما ـ على قتلى من قتلى يهود ، فلمّا رأتهم الّتي معها صفيّة صاحت وصكّت وجهها ، وحثت التراب على رأسها. فلمّا رآها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : اغربوا (١) عنّي هذه الشيطانة. وأمر بصفيّة فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه. فعرف المسلمون أنّه قد اصطفاها لنفسه.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لبلال لمّا رأى من تلك اليهوديّة ما رأى : أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما؟
وكانت صفيّة قد رأت في المنام ، وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، أنّ قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها. فقال : ما هذا إلّا أنّك تتمنّين ملك الحجاز محمّدا ، ولطم وجهها لطمة اخضرّت عينها منها. فأتي بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبها أثر منها. فسألها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما هو؟ فأخبرته.
وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : انزل فأكلّمك. قال : نعم. فنزل وصالح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة ، وترك الذرّيّة لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ، ويخلّون بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض ، وعلى الصفراء والبيضاء ، والكراع (٢) والحلقة ، وعلى البزّ (٣) إلّا ثوبا على ظهر إنسان.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فبرئت منكم ذمّة الله وذمّة رسوله إن كتمتموني شيئا. فصالحوه على ذلك.
__________________
(١) اغرب عنّي ، أي : تباعد.
(٢) الكراع : اسم يطلق على الخيل والبغال والحمير. والحلقة : الدرع.
(٣) البزّ : الثياب.