فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كلّ ما يمكن. أو ترك ليقصد توجّه النهي إلى نفس التقدمة ، فيكون المقصود نفي التقدّم رأسا ، كأنّه قيل : لا تقدّموا على التلبّس بهذا التقدّم ، ولا تجعلوه منكم بسبيل. ويجوز أن يكون من : قدّم بمعنى : تقدّم ، كوجّه وبيّن بمعنى : توجّه وتبيّن ، كأنّه قيل : لا تتقدّموا. ومنه : مقدّمة الجيش لمتقدّميهم. ويؤيّده قراءة يعقوب : لا تقدموا.
(بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أمامهما. مستعار لما بين الجهتين المسامتتين ليمين الإنسان وشماله قريبا منه. فسمّيت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسّعا ، كما يسمّى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه. فهو من باب تسمية الشيء باسم ما يجاوره. وفي ضمن هذه الاستعارة فائدة جليلة ليست في الكلام الحقيقي. وهي : تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء (١) على أمثلة الكتاب والسنّة. والمعنى : لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به ويأذنا فيه.
وقيل : المراد بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وذكر الله تعظيم له ، وإشعار بأنّه من الله بمكان ومزيد تقرّب يوجب إجلاله. فهذا يجري مجرى قولك : سرّني زيد وحسن حاله ، وأعجبني عمرو وكرمه.
(وَاتَّقُوا اللهَ) في التقديم ، أو مخالفة الحكم (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأفعالكم ، وحقّ مثله أن يتّقى عمّا نهاه.
عن ابن عبّاس : نهوا بهذه الآية أن يتكلّموا قبل كلامه ، أي : إذا كنتم جالسين في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسئل عن مسألة ، فلا تسبقوه بالجواب حتّى يجيب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أوّلا.
وعن السدّي معناه : لا تسبقوه بقول ولا فعل حتّى يأمركم به.
__________________
(١) احتذى مثال فلان وعلى مثاله : اقتدى وتشبّه به.