أصواتهم فوق صوت نبيّه المكرّم لديه نهاية القصوى ، ورسوله المقرّب بين يديه غاية الزلفى ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) أي : إذا كلّمتموه وكلّمكم فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته عند المكالمة ، لأنّ فيه أحد شيئين : إمّا نوع استخفاف به ، فهو الكفر ، وإمّا سوء الأدب ، فهو خلاف التعظيم المأمور به. وتكرير النداء استدعاء مزيد الاستبصار ، أو تجديده عند كلّ خطاب وارد. والمبالغة في الاتّعاظ ، لئلّا يفتروا ويغفلوا عن تأمّلهم. والدلالة على استقلال المنادى له ، وهو النهي عن رفع الصوت ، وزيادة الاهتمام به.
(وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ) أي : جهرا مثل جهر بعضكم (لِبَعْضٍ) أي : إذا كلّمتموه وهو صامت فلا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم ، بل اجعلوا أصواتكم أخفض ، بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم ، وجهره باهرا لجهركم ، حتّى تكون مزيّته عليكم لائحة ، وسابقته واضحة ، محاماة على التعظيم ، ومراعاة للأدب. فالصوت الّذي لا يستلزم سوء الأدب وتأذّي النبيّ لا يكون منهيّا عنه ، كرفعه منهم في حرب ، أو مجادلة معاند ، أو إرهاب عدوّ ، وما أشبه ذلك. ففي الحديث أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال للعبّاس بن عبد المطّلب لمّا انهزم الناس يوم حنين : «اصرخ بالناس». وكان العبّاس أجهر الناس صوتا. يروى أنّ غارة أتتهم يوما فصاح العبّاس : يا صباحاه ، فأسقطت الحوامل لشدّة صوته.
وقيل : معناه : ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا ، وخاطبوه بالنبيّ والرسول ، لما روي عن أبي حمزة الثمالي ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس : أنّ الآية نزلت في نفر من بني العنبر كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أصاب من ذراريهم ، فأقبلوا في فدائهم ، فقدموا المدينة ودخلوا المسجد ، وعجلوا أن يخرج إليهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجعلوا يقولون : يا محمّد اخرج إلينا.