الوليد. وأنّ بعضهم كانوا يتصوّنون ، ويزعهم (١) جدّهم في التقوى عن الجسارة على ذلك. وهم الّذين استثناهم بقوله : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) جعل الإيمان محبوبا إليكم ، بأن أقام الأدلّة على صحّته ، وبما وعد عليه من الثواب (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) بالألطاف الداعية إليه (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) بوجوه الألطاف الصارفة عنه.
والحاصل : أنّ هذا استدراك بصفة من لم يفعل ذلك منهم ، إحمادا لفعلهم ، وتعريضا بذمّ من فعل.
وقيل : استدراك ببيان عذرهم في استصواب الإيقاع ببني المصطلق. يعني : أنّهم من فرط حبّهم للإيمان وكراهتهم للكفر حملهم على ذلك لمّا سمعوا قول الوليد.
ويؤيّد الأوّل (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أي : أولئك المستثنون هم الّذين أصابوا الطريق السويّ من الرشد. وهو الاستقامة على طريق الحقّ مع تصلّب فيه. من الرشادة ، وهي الصخرة.
وشريطة حرف الاستدراك ـ وهي : مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا ـ وإن كانت منتفية لفظا ، لكن حاصلة معنى ، لأنّ الّذين حبّب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المقدّم ذكرهم ، فوقعت «لكنّ» في حاقّ موقعها من الاستدراك.
ومعنى تحبيب الله وتكريهه : اللطف والإمداد بالتوفيق كما مرّ. فسبيله الكناية. وكلّ ذي لبّ وصاحب بصيرة لا يغبى (٢) عليه أنّ الرجل لا يمدح بغير فعله. وحمل الآية على ظاهرها يؤدّي إلى أن يثنى عليهم بفعل الله ، وقد نفى الله هذا
__________________
(١) أي : يمنعهم ويكفّهم.
(٢) أي : لا يخفى عليه ولا يجهل. من : غبا الشيء عليه : لم يفطن له أو جهله.