غمّا لازما ، متمنّين أنّه لم يقع ، ولا يمكنكم تداركه. وتركيب الحروف الثلاثة في «ندم» دائر مع اللزوم والدوام ، فإنّه عبارة عن غمّ يصحب الإنسان صحبة لها دوام ولزام ، لأنّه كلّما تذكّر المتندّم عليه راجعه الغمّ. من الندام (١) ، وهو لزام الشريب ودوام صحبته. ومن مقلوباته : أدمن الأمر ، أدامه. ومدن بالمكان ، أقام به. ومنه : المدينة.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) «أنّ» بما في حيّزه سادّ مسدّ مفعولي «اعلموا». وفائدة تقديم خبر «أنّ» على اسمها القصد إلى توبيخ بعض المؤمنين ، على ما استهجن الله منهم من استتباع رأي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لآرائهم ، فوجب تقديمه ، لانصباب الغرض إليه.
وقوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) لا يكون كلاما مستأنفا ، لأنّه حينئذ لم يظهر للأمر فائدة. فلا بدّ أن يكون متّصلا بما قبله ، حالا من أحد ضميري «فيكم». وهو المستتر المرفوع ، أو البارز المجرور. وكلاهما مذهب سديد.
والمعنى : أنّ فيكم رسول الله على حالة يجب عليكم تغييرها. أو أنتم على حالة يجب عليكم تغييرها. وهي : أنّكم تريدون أن يتّبع رأيكم في الحوادث ، ولو فعل ذلك لعنتّم ، أي : لوقعتم في الجهد والهلاك. من العنت. يقال : فلان يتعنّت فلانا ، أي : يطلب ما يؤدّيه إلى الهلاك.
وفائدة إيثار «يطيعكم» على : أطاعكم ، الدلالة على أنّه كان في إرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبونه ، وأنّه كلّما عنّ لهم رأي في أمر كان معمولا عليه ، بدليل قوله : (فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) ، كقوله : فلان يقري الضيف ويحمي الحريم ، تريد : أنّه ممّا اعتاده ووجد منه مستمرّا.
وفيه إشعار بأنّ بعضهم أشار إليه بالإيقاع ببني المصطلق وتصديق قول
__________________
(١) نادم نداما فلانا على الشراب : جالسه عليه.