والسعي في المصالحة.
ثمّ علّل الأمر بالصلاح وقرّره بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) من حيث إنّهم منتسبون إلى أصل واحد ، وهو الإيمان الموجب للحياة الأبديّة. ولذلك كرّر الأمر بالصلاح مرتّبا عليه بالفاء ، فقال : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) ووضع الظاهر موضع الضمير مضافا إلى المأمورين ، للمبالغة في التقرير والتخصيص. وخصّ الاثنين بالذكر ، لأنّهما أقلّ من يقع بينهم الشقاق ، وللإشعار على أنّه إذا لزمت المصالحة بين الأقلّ كانت بين الأكثر ألزم ، لأنّ الفساد في شقاق الجميع أكثر من الفساد في شقاق الاثنين. وقيل : المراد بالأخوين الأوس والخزرج.
ومعنى الآية : ليس المؤمنون إلّا إخوة ، وأنّهم خلّص لذلك متمحّضون ، قد انزاحت عنهم شبهات الأجنبيّة ، وأبى لطف حالهم في التمازج والاتّحاد أن يقدموا على ما يتولّد منه التقاطع.
(وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفة حكمه في العدل والإصلاح والإهمال فيه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) على تقواكم. أي : عند التواصل والائتلاف وترك الخلاف ، فإنّ وصول رحمة الله واشتمال رأفته عليكم حقيق بأن تعقدوا به رجاءكم.
أورد البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يعيبه ، ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عنه الريح إلّا بإذنه ، ولا يؤذيه بقتار (١) قدره». ثمّ قال : «احفظوا ، ولا يحفظه منكم إلّا قليل».
وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر عن مسلم يستره الله يوم القيامة».
__________________
(١) القتار : الدخان من المطبوخ ، ورائحة اللحم والشواء.